[
[/center]
center]تجربتي مع الشعر
(مقدمة ديوان حامد طاهر)
الصادر بالقاهرة 1984
هاجرت أسرتى من الريف إلى القاهرة فى نهاية الثلاثينات : أبى ، وأمى ، وخمس بنات ، وأربعة أبناء . ولا يمكن أن أقول إن أبى كان ريفياً بمعنى الكلمة . فقد ورث عن والده حوالى عشرة أفدنة من أجود الأراضى الزراعية بالدقهلية : كان يؤجرها تارة ، ويرهنها أحياناً ، دون أن يعمل بيديه فى الحقل . ومن حكاياته لنا عرفت أنه لم يألف حياة الريف قط ، وإنما كان نزوعه دائماً إلى حياة المدينة ، لهذا كان كثير السفر إلى مدينة المنصورة لأدنى مناسبة .
ـــــــــ
ومن الطبيعى أن يتحين أبى الفرصة ليهاجر بتلك الأسرة الكبيرة العدد إلى القاهرة ، حيث استأجر مسكناً بجوار القلعة ، فى حى الخليفة . ونظراً لقلة الموارد ، دفع بإخوتى الثلاثة الكبار (السيد ، محمد ، منير) إلى تعلم صناعة الحقائب ، وحافظات الجيب الجلدية بعد محاولات متعثرة فى المدارس ، خرجوا منها بتعلم القراءة والكتابة .
ـــــــــ
وعندما أتقن إخوتى " الصنعة " فتح أبى لهم مصنعاً صغيراً على مقربة من بوابة المتولى بالغورية . وزاد المكسب باضطراد . وشعرت الأسرة المهاجرة بنوع من الاستقرار النسبى ، الذى لم يؤرقه حينئذ إلا غارات الحرب العالمية الثانية ، والتى كانت القاهرة أحياناً مسرحاً لها ، مما حدا بالأسرة إلى أن تنتقل إلى مسكن أكثر اتساعاً ومتانة فى شارع الدرب الأحمر .
ـــــــــ
ولدت فى هذا الشارع ، فى الثامن من إبريل سنة 1943 . فصرت عاشر الأبناء . ومن العجيب أننى مازلت أحتفظ جيداً بمنظر الغارات التى وقت على مدينة القاهرة ، أثناء حرب فلسطين سنة 1948 : صفارات الإنذار ، والأضواء الكاشفة ، واللجوء إلى المساجد الضخمة بدلاً من المخابئ ، وابتهالات أبى وأمى بصوت عالٍ مضطرب طيلة انطفاء النور ، ثم عودتنا بعد ذلك إلى المنزل ، و"سدة النفس" عن الطعام الكثير ، الذى كان يتم إعداده على نحو جيد ، بسبب وجود خمس بنات يعملن جميعاً بكفاءة وانتظام لهذا الغرض .
ـــــــــ
كان لميلادى فى تلك الظروف وقع كبير فى الأسرة كلها . فأنا الأصغر أو آخر العنقود كما يقولون . وأبى يشملنى بعطف خاص ، ويصحبنى أحياناً إلى أكبر مساجد القاهرة كالأزهر والحسين والسيدة زينب لسماع الشيخ محمد رفعت ، وأحياناً أخرى إلى نادى السعديين ، الذى كان عضواً فيه ، للتسليم على النقراشى باشا ، وقد رأيته – ذات مرة – يستقبله بترحاب شديد .
ـــــــــ
وفى إحدى المرات ، زادت حدة الغارات على القاهرة ، وتداعى المنزل الملتصق تماماً بمنزلنا ، توفى فيه بعض من نعرفه ، فاضطرت الأسرة إلى الرحيل إلى مدينة المنصورة – وليس قرية أبى (الدنابيق) أو قرية أمى (سلامون) – وهناك استأجرنا شقة فاخرة فى حى راق. وأذكر أننى تعرفت ، فى ذلك الحى ، على بعض الأصدقاء من أبناء العائلات الموسرة ، وكنت أذهب بصحبتهم للتفرج على لعب الأطفال المعروضة بمحلات شارع السكة الجديدة : كالقطارات ، والحيوانات المصنوعة من العاج ، والجنود المصنوعين من البرونز – وهى أشياء لم أرها بعد ذلك إلا فى بعض الأحياء القديمة بباريس ، عندما سافرت إليها فى السبعينات .
ـــــــــ
وضعت الحرب أوزارها ، فعدنا إلى القاهرة، ثم ما لبثنا أن انتقلنا إلى منطقة الدرّاسة شمال حى الحسين : وهى منطقة جيدة التخطيط ، نظيفة وهادئة ، وسكانها غالباً من الموظفين والطبقة المتوسطة ، وهم عموماً أكثر انطواءاً من أهالى الدرب الأحمر ، ونساؤهم أكثر تحفظاً . وفى المنزل رقم 8 بشارع الملك المنصور ، أقمنا ما يقرب من خمس عشرة سنة : اخوتى الكبار يعملون فى حجرة واسعة بالمنزل ، واخواتى البنات مخصصات لأعمال البيت . وأخى الأكبر مباشرة (أحمد) قرر أبى أن يرسله إلى الأزهر ، لأنه لم يكن يثق كثيراً فى التعليم المدنى .أما أنا فقد التحقت بمدرسة الجمالية : مدرسة عتيقة ولها تقاليدها . وقد أحببتها ، وصادقت فيها زملاء كنا نتزاور فى المنازل خلال الأجازات . وكان ترتيبى على الفصل يتراوح بين الثانى والرابع . وفيها أحببت اللغة العربية ، لأن الظروف أتاحت لنا أستاذاً ممتازاً (اسمه عبدالحليم) خصنى بعنايته ، وكان يختارنى للقراءة أمام المفتشين ، مما زاد من مسئوليتى واهتمامى بدروسه .
ـــــــــ
كانت مدرسة الجمالية غاية فى النظافة . وكنا نقضى بها أطول النهار ، من الثامنة صباحاً إلى الخامسة بعد الظهر . وفيها نتناول وجبة غداء كاملة . ونسعد بفسحة تصل إلى ساعة ونصف ، نمارس فيها شتى الهوايات . وفى كل يوم جمعة رحلة إلى أحد معالم القاهرة . وأناشيد الصباح ، وتلك اللوحة الجملية الخط التى كانت معلقة فى إحدى الردهات ، مكتوب فيها " دولة الظلم ساعة ، ودولة العدل إلى قيام الساعة " . والمسابقات الثقافية ، والرياضية وتوزيع الجوائز . . والمدرسون مهتمون والناظر حازم وحنون . .
ـــــــــ
وفجأة قرر أبى أن أترك هذه المدرسة ، وأن ألحق بأخى فى الأزهر . وبكيت كثيراً ، واستعطفت فلم يقبل رجائى .
ـــــــــ
لمزيد من المعلومات أدخل على الرابط التالى الموقع الرسمى للأديب/حامد طاهر
http://www.hamedtaher.com/poetry1.html
لوضع تعليق للأديب الدكتور/حامد طاهر _ أدخل على
ABC@hamedtaher.com
(مقدمة ديوان حامد طاهر)
الصادر بالقاهرة 1984
هاجرت أسرتى من الريف إلى القاهرة فى نهاية الثلاثينات : أبى ، وأمى ، وخمس بنات ، وأربعة أبناء . ولا يمكن أن أقول إن أبى كان ريفياً بمعنى الكلمة . فقد ورث عن والده حوالى عشرة أفدنة من أجود الأراضى الزراعية بالدقهلية : كان يؤجرها تارة ، ويرهنها أحياناً ، دون أن يعمل بيديه فى الحقل . ومن حكاياته لنا عرفت أنه لم يألف حياة الريف قط ، وإنما كان نزوعه دائماً إلى حياة المدينة ، لهذا كان كثير السفر إلى مدينة المنصورة لأدنى مناسبة .
ـــــــــ
ومن الطبيعى أن يتحين أبى الفرصة ليهاجر بتلك الأسرة الكبيرة العدد إلى القاهرة ، حيث استأجر مسكناً بجوار القلعة ، فى حى الخليفة . ونظراً لقلة الموارد ، دفع بإخوتى الثلاثة الكبار (السيد ، محمد ، منير) إلى تعلم صناعة الحقائب ، وحافظات الجيب الجلدية بعد محاولات متعثرة فى المدارس ، خرجوا منها بتعلم القراءة والكتابة .
ـــــــــ
وعندما أتقن إخوتى " الصنعة " فتح أبى لهم مصنعاً صغيراً على مقربة من بوابة المتولى بالغورية . وزاد المكسب باضطراد . وشعرت الأسرة المهاجرة بنوع من الاستقرار النسبى ، الذى لم يؤرقه حينئذ إلا غارات الحرب العالمية الثانية ، والتى كانت القاهرة أحياناً مسرحاً لها ، مما حدا بالأسرة إلى أن تنتقل إلى مسكن أكثر اتساعاً ومتانة فى شارع الدرب الأحمر .
ـــــــــ
ولدت فى هذا الشارع ، فى الثامن من إبريل سنة 1943 . فصرت عاشر الأبناء . ومن العجيب أننى مازلت أحتفظ جيداً بمنظر الغارات التى وقت على مدينة القاهرة ، أثناء حرب فلسطين سنة 1948 : صفارات الإنذار ، والأضواء الكاشفة ، واللجوء إلى المساجد الضخمة بدلاً من المخابئ ، وابتهالات أبى وأمى بصوت عالٍ مضطرب طيلة انطفاء النور ، ثم عودتنا بعد ذلك إلى المنزل ، و"سدة النفس" عن الطعام الكثير ، الذى كان يتم إعداده على نحو جيد ، بسبب وجود خمس بنات يعملن جميعاً بكفاءة وانتظام لهذا الغرض .
ـــــــــ
كان لميلادى فى تلك الظروف وقع كبير فى الأسرة كلها . فأنا الأصغر أو آخر العنقود كما يقولون . وأبى يشملنى بعطف خاص ، ويصحبنى أحياناً إلى أكبر مساجد القاهرة كالأزهر والحسين والسيدة زينب لسماع الشيخ محمد رفعت ، وأحياناً أخرى إلى نادى السعديين ، الذى كان عضواً فيه ، للتسليم على النقراشى باشا ، وقد رأيته – ذات مرة – يستقبله بترحاب شديد .
ـــــــــ
وفى إحدى المرات ، زادت حدة الغارات على القاهرة ، وتداعى المنزل الملتصق تماماً بمنزلنا ، توفى فيه بعض من نعرفه ، فاضطرت الأسرة إلى الرحيل إلى مدينة المنصورة – وليس قرية أبى (الدنابيق) أو قرية أمى (سلامون) – وهناك استأجرنا شقة فاخرة فى حى راق. وأذكر أننى تعرفت ، فى ذلك الحى ، على بعض الأصدقاء من أبناء العائلات الموسرة ، وكنت أذهب بصحبتهم للتفرج على لعب الأطفال المعروضة بمحلات شارع السكة الجديدة : كالقطارات ، والحيوانات المصنوعة من العاج ، والجنود المصنوعين من البرونز – وهى أشياء لم أرها بعد ذلك إلا فى بعض الأحياء القديمة بباريس ، عندما سافرت إليها فى السبعينات .
ـــــــــ
وضعت الحرب أوزارها ، فعدنا إلى القاهرة، ثم ما لبثنا أن انتقلنا إلى منطقة الدرّاسة شمال حى الحسين : وهى منطقة جيدة التخطيط ، نظيفة وهادئة ، وسكانها غالباً من الموظفين والطبقة المتوسطة ، وهم عموماً أكثر انطواءاً من أهالى الدرب الأحمر ، ونساؤهم أكثر تحفظاً . وفى المنزل رقم 8 بشارع الملك المنصور ، أقمنا ما يقرب من خمس عشرة سنة : اخوتى الكبار يعملون فى حجرة واسعة بالمنزل ، واخواتى البنات مخصصات لأعمال البيت . وأخى الأكبر مباشرة (أحمد) قرر أبى أن يرسله إلى الأزهر ، لأنه لم يكن يثق كثيراً فى التعليم المدنى .أما أنا فقد التحقت بمدرسة الجمالية : مدرسة عتيقة ولها تقاليدها . وقد أحببتها ، وصادقت فيها زملاء كنا نتزاور فى المنازل خلال الأجازات . وكان ترتيبى على الفصل يتراوح بين الثانى والرابع . وفيها أحببت اللغة العربية ، لأن الظروف أتاحت لنا أستاذاً ممتازاً (اسمه عبدالحليم) خصنى بعنايته ، وكان يختارنى للقراءة أمام المفتشين ، مما زاد من مسئوليتى واهتمامى بدروسه .
ـــــــــ
كانت مدرسة الجمالية غاية فى النظافة . وكنا نقضى بها أطول النهار ، من الثامنة صباحاً إلى الخامسة بعد الظهر . وفيها نتناول وجبة غداء كاملة . ونسعد بفسحة تصل إلى ساعة ونصف ، نمارس فيها شتى الهوايات . وفى كل يوم جمعة رحلة إلى أحد معالم القاهرة . وأناشيد الصباح ، وتلك اللوحة الجملية الخط التى كانت معلقة فى إحدى الردهات ، مكتوب فيها " دولة الظلم ساعة ، ودولة العدل إلى قيام الساعة " . والمسابقات الثقافية ، والرياضية وتوزيع الجوائز . . والمدرسون مهتمون والناظر حازم وحنون . .
ـــــــــ
وفجأة قرر أبى أن أترك هذه المدرسة ، وأن ألحق بأخى فى الأزهر . وبكيت كثيراً ، واستعطفت فلم يقبل رجائى .
ـــــــــ
لمزيد من المعلومات أدخل على الرابط التالى الموقع الرسمى للأديب/حامد طاهر
http://www.hamedtaher.com/poetry1.html
لوضع تعليق للأديب الدكتور/حامد طاهر _ أدخل على
ABC@hamedtaher.com
[/center]
الإثنين يوليو 30, 2012 1:58 pm من طرف Admin
» منقول من التراس الدنابيق / شباب القرية يردون بالمستندات والصور على الشروعات التي قام بها الشريف
الإثنين يوليو 30, 2012 1:44 pm من طرف Admin
» منقول من التراس االدنابيق / بعض الصور من النظافة بمقابر القرية
الإثنين يوليو 30, 2012 1:21 pm من طرف Admin
» رمضــــــــــــــــــــــــــــــــان كريم على كل أهالينا أهل الدنابيق
الإثنين يوليو 30, 2012 12:48 pm من طرف Admin
» تجمهر أهالي قرية الدنابيق أمام مركز شرطة المنصورة والتهديد بالاعتصام بسبب الكهرباء
الجمعة مايو 11, 2012 4:13 pm من طرف نـــــــــــــــــــور
» المعلم ضاحى السيد نجار موبليا
الخميس أبريل 05, 2012 11:00 pm من طرف salahyaseen
» جون سينا الدنابيق .. اترك تعليق
الأربعاء مارس 21, 2012 4:53 pm من طرف نـــــــــــــــــــور
» أحتفالية مركز شباب الدنابيق بالمولد النبوي الشريف
الأربعاء مارس 21, 2012 4:37 pm من طرف نـــــــــــــــــــور
» وظائف خالية بمستشفيات المنصورة : طرف المهندس / أحمد صالح
السبت فبراير 18, 2012 8:18 am من طرف Admin